لم يستهوني تصفح المجلات يوماً ، يعني فراء ،وملابس، ومجوهرات فارهة من عائلة كريستين ديور ،لم نكن يوماً لنشتريها ، ولم تصنع لمثلنا .
في الصفحة الواحد وثلاثون أعجبتني صوره لعروسة ترتدي فستان هندي مزركش بالحلُي، ذات الطراز الشرقي، كان إعلان لمسرح العرائس، لا ادري كيف شعرت بأن عينا الدمية تومض إلى بشكل حي ،وكأنها ترصد سراً عني، وتتوعدني بكشفه،، حاولت تقليب الصفحة إلا أني ما فكآت أن أعود إليها ،،حدقت مطولاً هذه المرة ،، تهيأ لي بأني أسمع خشخشة الحُلي في يديها ،، لم أحول النظر عنها بعد ،عقلي ساخراً يشير إلى سذاجتي باشمئزاز ،فليست إلا عروسه خشبية مدقوقة بالحُلي ، و فوق ذلك هي صورة في مجله ردينه، لا أدري كيف سارت إلي! ، اختلست أخر نظرة ، مودعة الصفحة ، حاولت تقليبها إلا أن يدي كانت ملتصقة فيها بلا حراك ، سمعتها تخاطبني ألا تذكرين ...
هنا تقيأت ذاكرتي ما بجوفها من ذكريات.. وجوه لأناس ربما عرفت أقداري الطريق إليهم يوماً ، أشياء ، كُتب ، ترهات ....لم أكن يوماً لأعيد استرجاعها وتذكرها ، فلا أدري كيف ابتلعت ذاكرتي بشراهة كل هذه الذكريات.
سقطت أحداها إلى جمجمتي بصخبٍ بارد.. كئيبة ، معقوفة سُرقت منها بضع ملامح ، فقبيل الإحدى عشر سنه ،،و ربما أكتر من ذلك، أو قد تكون أقل .... أو ربما لم يكن بإمكاني التخمين، وحشر زمن الذكرى ببوتقة بضعة سنوات ،إذاً فلتكن قُبيل طفولتي ،،، أنها ماريونت ،عُدت أذكرها ،، قهقهات عتاب لنفسي كيف لي أن أنسى معشوقتي ماريونت؟! ، ياااااة كم أحببتها !!!..حسدتُها... ومؤخراً كرهتها .
كنت، أحسد ماريونت على فستانها الزهري ،وطرحتها من الدانيل الأبيض بتطريزه فلل صغيرة تُزين ماريونت ،، كانت جميلة ،خلابة لديها كل شيء .... وعاشق من بين الستائر يُغني كل مساءً لماريونت .... كنت أشاهدها لساعات دون أن تلطمني صفعات الملل ،، كنت أصنع تاجاً من ورق مقوى، و ازينه ببضع نجمات صفراء ،و حمراء ... وأسرق من أمي غطاء منضدة تركد في إحدى زوايا بيتنا ، وقلم روج أحمر أخربش فيه نقط حمراء على وجهي لأغدو ماريونت .... الأميرة
كَبرت ويال فجاعة ما أيقنت فما كُانت توبخني أمي عليه- خُربشات الروج على وجهي وشرشف منضدتها الذي اتسخ بفعل أرتطامه بخداي وأنا أدور، وأرقص ،كماريونت لم يكن إلا خدعة. فما ماريونت المسكينة إلا بضع خشبات، اغتصبت غصباً ،من حضن شجره كانت تفترش مكان ما من خد وجة الأرض ،،، وبأن ضحكات ورقصات ماريونت وإيمائة الخجل لمعشوقها لم تكن إلا غصباً مفتعله من بضع أسلاك شائكة كُبلت بها ماريونت .... وحين يسدل مسرح العرائس على ماريونت ..الأميرة..... تُلقى وسطل الممسحة جنباً لجنب ...ليركلها الغبار بلا رحمه
ماريونت يا عزيزتي .... تكفيراً عن نسياني لك ....أهديك هذه الصفحة ... كل الأبجديات ... كل الحروف أكتبها ..... إليك وحدك

ميس النوايسة

الجمعة، 27 مايو 2011

بلياتشو


إلى مقطورة القصب والصفيح التي أُرهقت بشيخوخة الترحال من رقعة لرقعة ، يعود "بلياتشو" الضاحك حيث رث أشياء لم تعرف لها هوية ،لا من أين جاءت ولا حتى انتمائها ألى أي وطن يكون ،، يلتقي بذاك الرجل بوجه سطح عاكس متسخ ، يلتقط رقعة من قماش مُسح فيها عشرات المرات دون أن تُغسل أو تُستبدل .... ليهرق بها طلاء وجهة الطبشوري واحمرار خداه بحُمرة وقحة أعُطيت شيء من اللمعة بفعل العرق اللزج ،وكرة أسفنجية كعلامة فارقة للبلياتشو تستر أنفاً بانبعاجة ،،، ذقنه حليق منذ قرابة الأيام ، نتوءات من الشعر الأبيض تخترقها شعيرات سوداء كلوحة شعثاء وسخها السواد ، خلف هذا كله يسكن هناك عجوز سُمي بنصف المجنون تباعاً لفقرته المجنونة التي تجعل مُقل الجمهور تفقأ من شدة الضحك... ، مونولوج يعلوا شيئا فشيئا وصولاً للحبال الصوتية، يستبيحها لصراخٌ كتيم أشبه بنشيج مخنوق لمن بترت أحدى أطرافة ...ألما.
أنه ذات العزف الحزين ،من كمان نائح باسم صاحبة من أحدى مقطورات السيرك الأخرى ، يدغدغ العزف جنب روحة الأليم ،يسابق الأكسجين أيهما سيخنقه أسرع ،لأول مرة يُوقن بأنه كائن من نوع أخر لا يقتات الأوكسجين، بل أنه جزاراً سيخنقه يوماً.
ينشج متململاً ...ياه ليتي أمتلك الجرأة لإسكات ذاك الكمان اللعين ،،أبتعد عني بنواحك الكئيب ، أبتعد إلى الأقاصي لا يهم، إلى أين؟ أو من أين. حتى وأن تتطلب الأمر أن تعبر جسدي مروراً فيه ..لا يهم ،فقط أبتعد عني ........أبتعد .
مازالت نوتات اللحن تلتصق بجلده المجعد، البارد، اختراقا لجوفه،كأول رعشة أحستها حين سَرقت حدقته أول نظرة لعيون تريزا..في العهد القديم ، .تغرورق جفناه كسفينة جوفاء تلاطمها أمواج السخط بدمعاته الساخنة ، يتكأ على كرسي أعرج بثلاثة أطراف واسُتبدلت وظيفة الرابعة بركنها فوق رفش لصحف لم يلحظ مكنون جوفها يوماً ،يرمي نفسه على السرير الحديدي شبية تلك القابعة في السجون ،دفن رأسه تحت بطانية من شعر ماعز سوداء، توغز شعيراتها النافرة سهل وجهة .
طيف أسود بدأ يحجب رذاذ الضوء الخفيف عنه ،وقبل أن يحاذيه رفع طرف البطانية وظهرت مقلتاه كمقلتي فأر خائف من مصيره لحظة كمشه ، كان الطيف ملتصقاً بجدار الصفيح ، رآه يضحك ويضحك قائلا هل زحفت إلى هنا لتموت كأي جربوع ، ستموت بلا مبرر ، مقهقها ً ستموت فقط لتزيد عكر الأرض يا جربوع !
تصطك أسنان البلياتشو خوفاً ....نعم فأنا تعبت المكوث، لم يكن الطيف إلا طيف أحدى سكارى السيرك الذي نامت أطرافه على الغطاء الخلفي للصفيح
وهكذا مضى بلياتشو الحزين دون أن يُعنى أحدٌ فيه.... دون أي زهور من تريزا ، دون أي جنائز عسكرية بزعيق المدافع والبنادق كتلك التي يحظى فيها الملوك ،، أكتفوا بحرق رماده وأشياءه وركنها في مجرى نهر قابع هناك .
ياه يا بلياتشو لم يرحموك حتى بعد الرحيل فما زال رماد جسدك الهزيل يرحل من نهر لنهر ،من بركه لبركه، وصولا إلى البحر الكبير.

ميــــــــــــــــــــس النوايسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق